قوله جلّ ذكره: {ن وَالقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}.{ن} قيل: الحوت الذي على ظهره الكون، ويقال: هي الدواة.ويقال: مفتاح اسمه ناصر واسمه نور.ويقال: إنه أقسم بنُصْرَة الله تعالى لعبادِه المؤمنين.وأقسم بالقلم- وجوابُ القسم قولُه: {مَآ أَنت َبِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ}.ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه:إنه مجنون، أزاله عنه بنفيه، ومحقَّقاً ذلك بالقَسَم عليه , وهذه سُنَّةُ الله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فما يقوله الأعداءُ فيه يردُّه- سبحانه- عليهم بخطابه وعنه ينفيه.{وَإِنَّ لَكَ لأجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ}: أي غير منقوص , لمَّا سَمَتْ هِمَّتُه صلى الله عليه وسلم عن طلب الأعواض أثبت اللَّهُ له الأجر، فقال له: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ}- وإنْ كُنْتَ لا تريده.ومن ذلك الأَجْر العظيم هذا الخُلُق، فأنت لستَ تريد الأجْرَ- وبِنَا لَسْتَ تريد؛ فلولا أنْ خَصَصْناكَ بهذا التحرُّر لكنتَ كأمثالِك في أنهم في أسْرِ الأعواض.قوله جلّ ذكره: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.كما عرَّفَه اللَّهُ سبحانه أخبارَ مَنْ قبْلَه من الأنبياء عرَّفه أنه اجتمعت فيه متفرقاتُ أخلاقهم فقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.ويقال: إنه عَرَضَ مفاتيحَ الأرضِ فلم يقبلْها، ورقّاه ليلةَ المعراج، وأراه جميع المملكة والجنة فلم يلتفت إليها، قال تعالى: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم: 17] فما التفت يميناً ولا شمالاً، ولهذا قال تعالى: {وَإِنٍَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ويقال: {على خلق عظيم}: لا بالبلاءِ تنحرف، ولا بالعطاءِ تنصِرف؛ احتمل صلوات الله عليه في الأذى شَجَّ رأسِه وثَغْرِه، وكان يقول: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون» وغداً كلٌّ يقول: نفسي نفسي وهو صلوات الله عليه يقول: «أمتي أمتي».ويقال: عَلّمه محاسنَ الأخلاق بقوله: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْمَعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ}.سأل صلواتُ الله عليه جبريل: «بماذا يأمرني ربي؟ قال: يأمرك بمحاسن الأخلاق؛ يقول لك: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وأعْطِ مَنْ حَرَمك واعفٌ عَمَّن ظَلَمَك» فتأدَّبَ بهذا؛ فأثنى عليه وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.